دور المجتمع المدني في تشكيل السياسات العامة بالمغرب: تحديات وفرص في ظل التغيرات الاجتماعية
دور المجتمع المدني في تشكيل السياسات العامة بالمغرب: تحديات وفرص في ظل التغيرات الاجتماعية
في خضم التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعرفها المغرب خلال العقدين الأخيرين، برز المجتمع المدني كفاعل رئيسي في صياغة السياسات العامة، سواء من خلال الضغط والترافع أو عبر الشراكة في تنفيذ البرامج الحكومية. أضحت المنظمات غير الحكومية والجمعيات الحقوقية والحركات الاجتماعية أداة لإعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع، خصوصًا في مجالات حقوق الإنسان، المساواة بين الجنسين، والتنمية المستدامة.
1. المجتمع المدني كفاعل في صياغة السياسات العامة
يُعرَّف المجتمع المدني بأنه مجموع التنظيمات والجمعيات والنقابات والمنتديات التي تعمل باستقلال عن الدولة والقطاع الخاص، بهدف التأثير في القرارات والسياسات العامة. في المغرب، اكتسب هذا الفاعل زخمًا متزايدًا منذ صدور دستور 2011، الذي نص على الحق في تقديم العرائض والمشاركة في إعداد وتتبع السياسات العمومية.
"تطوّر دور المجتمع المدني في المغرب من مجرد مراقب إلى شريك فاعل في بناء السياسات العامة، رغم التحديات القانونية والمؤسسية القائمة."
2. آليات تأثير المجتمع المدني على القرار العمومي
- الترافع والضغط السياسي: من خلال الحملات الحقوقية وتنظيم الوقفات وتعبئة الرأي العام.
- الشراكة في التنمية: المساهمة في تنفيذ مشاريع التنمية المحلية ضمن برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
- التواصل والإعلام: استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للضغط وكشف التجاوزات.
- المرافعة الدولية: التعاون مع المنظمات الأممية لتسليط الضوء على الانتهاكات والمطالبة بإصلاحات قانونية.
3. المجتمع المدني وحقوق الإنسان
شهد المغرب منذ التسعينيات ظهور منظمات حقوقية قوية مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، التي ساهمت في توثيق الانتهاكات والمطالبة بإصلاحات تشريعية. ورغم استمرار بعض التحديات، فقد ساهم الضغط المدني في تعزيز مبادئ المحاسبة والشفافية، وإطلاق نقاشات حول حرية التعبير واستقلال القضاء.
4. المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة
تُعد منظمات النساء من أبرز القوى التي ساهمت في إصلاح مدونة الأسرة سنة 2004، وفي طرح قضايا الميراث والمشاركة الاقتصادية على طاولة النقاش. كما تدفع هذه الجمعيات باتجاه مراجعة القوانين التمييزية وتوسيع حضور النساء في مواقع القرار، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة 2030.
5. المجتمع المدني والتنمية المستدامة
مع تبنّي المغرب لاستراتيجية وطنية في الطاقة النظيفة والبيئة، ظهرت عشرات الجمعيات البيئية التي تشارك في تنفيذ برامج التوعية وإعادة التدوير والطاقة المتجددة. كما باتت المنظمات المحلية تساهم في مراقبة مشاريع التنمية وتقييم أثرها البيئي والاجتماعي، مما يعزز الشفافية والمساءلة في تنفيذ السياسات.
6. التحديات التي تواجه المجتمع المدني بالمغرب
- الإطار القانوني: رغم دستور 2011، لا تزال بعض القوانين تُقيّد حرية الجمعيات في العمل والتمويل.
- المضايقات والرقابة: يتعرض بعض النشطاء للمتابعة أو التضييق بسبب آرائهم أو أنشطتهم الميدانية.
- ضعف التنسيق: تعدد الجمعيات دون تنسيق فعال يقلل من تأثيرها الجماعي.
- محدودية التمويل: الاعتماد على الدعم الخارجي يجعل الاستمرارية صعبة ويحدّ من استقلالية القرار.
7. الفرص المتاحة لتعزيز الدور المدني
رغم التحديات، توجد فرص واعدة لتوسيع مشاركة المجتمع المدني:
- استثمار التحول الرقمي لتعزيز المشاركة الشبابية في العمل المدني.
- تفعيل آليات التشاور المحلي والجهوي بين السلطات والجمعيات.
- الاستفادة من برامج الشراكة الدولية في مجالات المناخ، الجندر، والحكامة.
- تطوير الكفاءات البحثية والتواصلية داخل المنظمات لتصبح أكثر تأثيرًا في صنع القرار.
8. نحو شراكة حقيقية في صناعة القرار
يُعد إشراك المجتمع المدني في صياغة السياسات العامة أحد شروط تحقيق العدالة الاجتماعية والاستدامة. إن بناء الثقة بين الدولة والمجتمع المدني يستدعي تعزيز الشفافية، إصلاح الإطار القانوني، وضمان حرية التعبير. وبذلك يصبح المجتمع المدني شريكًا فعليًا في بناء مغرب ديمقراطي وتنموي.
"لا يمكن تحقيق تنمية مستدامة أو عدالة اجتماعية دون مجتمع مدني قوي ومستقل ومؤثر في السياسات العمومية."
خاتمة
يبقى المجتمع المدني في المغرب ركيزة أساسية في مسار الإصلاح الديمقراطي والتنمية المستدامة. ورغم التحديات البنيوية والسياسية، فإن الفرص المتاحة اليوم — من التحول الرقمي إلى الشراكات الدولية — تمثل نقطة انطلاق نحو بناء نموذج جديد من التفاعل بين الدولة والمجتمع، قوامه المشاركة، الشفافية، والمساءلة.
كلمات مفتاحية: المجتمع المدني في المغرب، السياسات العامة، التنمية المستدامة، المساواة بين الجنسين، حقوق الإنسان، الحركات الاجتماعية.

تعليقات
إرسال تعليق