القائمة الرئيسية

الصفحات

تحليل مقارن لمطالب الجيل الرقمي في المغرب والرؤية الملكية: ديناميات التمكين وإشكالية التنفيذ في سياق النموذج التنموي الجديد (1999–2024) مقدمة تنفيذية

 


مقدمة  تنفيذية 

يقدم هذا التقرير تحليلاً معمقًا للتحديات الهيكلية التي تواجه جيل Z في المغرب، وهو الجيل الأكثر اتصالاً رقمياً والأكثر تضرراً من البطالة الهيكلية. تكمن الأطروحة المركزية في أن هناك توافقاً جوهرياً واستراتيجياً بين الخطاب الملكي والرؤية التنموية للدولة وبين جوهر مطالب الشباب (لا سيما في قضايا العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد، وتحسين الخدمات العامة). ومع ذلك، يثبت التحليل أن التحدي الفعلي لا يكمن في غياب الرؤية أو الإرادة العليا، بل في فشل المؤسسات الوسيطة (الحكومة، الأحزاب، والإدارة) في تحقيق "فلسفة التمكين" على أرض الواقع، مما يغذي أزمة ثقة عميقة ويؤدي إلى تصاعد الحراك الرقمي والميداني.1 يهدف هذا التقرير إلى تفكيك هذه المفارقة من خلال تشخيص ديموغرافي دقيق، وتحليل كرونولوجي لتطور الخطاب الملكي، وتقييم للسياسات العمومية الموجهة للتشغيل.


المحور الأول: الإطار المفاهيمي والتشخيص الديموغرافي لجيل Z

1.1. تحديد جيل Z في السياق المغربي: الوزن الديموغرافي والخصائص الرقمية

يمثل "جيل Z" شريحة عمرية محورية في المشهد المغربي، إذ يضم المواليد بين عامي 1997 و2012، ويشكلون ثقلاً ديموغرافياً هائلاً يبلغ 9 ملايين و657 ألفاً و283 نسمة، أي ما يقارب 26.3 في المائة من مجموع سكان المملكة.3 هذا الوزن الديموغرافي يجعل منهم قوة بشرية مرشحة لتكون محددًا رئيسيًا للمشهد الاجتماعي والسياسي المستقبلي.3

من السمات البارزة لهذا الجيل هو ولادته ونشأته في قلب الثورة الرقمية، مما جعله متقناً لأدوات التواصل الحديثة.3 وقد مكنتهم هذه المهارة الرقمية من تحويل الفضاء الافتراضي إلى ساحة رئيسية للتعبير عن مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية.3 بالإضافة إلى ذلك، يكتسب هذا الجيل جرأة سياسية لافتة، ناجمة جزئياً عن سياق ما بعد "الربيع العربي" وتقارير الإنصاف والمصالحة التي أزالت رهبة المواجهة من القاموس السياسي لدى الأجيال السابقة.4 من الناحية الديموغرافية، يظهر التوزيع متوازناً نسبياً بين الجنسين، حيث يمثل الذكور 50.9 في المائة والإناث 49.1 في المائة من هذه الفئة.3 ويشير هذا التوازن إلى أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك الحراك الاحتجاجي، تشمل كلا الجنسين على قدم المساواة.

1.2. الأبعاد الهيكلية للأزمة: البطالة وظاهرة النييت (NEETs)

تعتبر البطالة تحدياً وجودياً يهدد استقرار هذه الفئة وقدرتها على الاندماج الاجتماعي والاقتصادي. يواجه شباب جيل Z أعلى معدلات البطالة مقارنة بالفئات العمرية الأخرى، إذ بلغ معدل البطالة في صفوف الفئة العمرية 15-24 سنة مستوى مرتفعاً وصل إلى 35.8 في المائة. أما الشباب بين 25 و34 سنة، فقد سجلوا معدل بطالة يناهز 21.9 في المائة، وهي نسب تتجاوز بكثير المعدل الوطني للبطالة.3 تشير هذه الأرقام إلى أن المشكلة ليست مجرد تقلبات اقتصادية عابرة، بل هي فشل هيكلي في خلق فرص عمل مستقرة وذات جودة تتناسب مع طموحات وكفاءات هذا الجيل.3

تتفاقم هذه الأزمة بظاهرة "النييت" (NEETs)، وهي فئة الشباب الذين لا يشتغلون وليسوا بالمدرسة ولا يتابعون أي تكوين. حذر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من ظهور أفواج جديدة من هذه الفئة، التي تقدر بـ 1.5 مليون شخص (25% من الشباب في الفئة 15-24 سنة).3 هذه الظاهرة تمثل إهداراً كاملاً لرأس المال البشري وتؤدي إلى تراكم الإحباط، الذي يتحول لاحقًا إلى وقود لحراك اجتماعي جديد ومنظم. هذا الوضع يفرض تحدياً خطيراً على استدامة النموذج التنموي الجديد وفعالية السياسات العمومية الموجهة للشباب.3

1.3. المطالب الجديدة: الانتقال من الاحتياج إلى الحقوق

تتميز مطالب جيل Z بالشمولية، حيث تتجاوز الاحتياجات الاقتصادية الأساسية لتشمل قضايا الحقوق والحوكمة. تُظهر الدراسات أن الأولويات الاقتصادية التقليدية تظل في الصدارة، حيث يطرح 96 في المائة من الشباب التشغيل وتكافؤ فرص الولوج إليه كأولوية قصوى، يليه إصلاح التعليم (83%)، والسكن اللائق (81%)، وتحسين الخدمات الصحية (76%).5

ومع ذلك، فإن ما يميز هذا الجيل هو ربطه الوثيق بين القضايا الاقتصادية والحقوق المدنية. يطالب 72 في المائة باحترام حقوق الإنسان و 62 في المائة بتوسيع مجال حرية التعبير.5 كما أنهم يرفعون شعارات صريحة ضد الفساد.6 هذا الربط يدل على أن جيل Z يرى أن العوائق أمام التنمية وفرص العمل ليست مجرد عوائق مالية أو اقتصادية، بل هي في جوهرها عوائق حوكمة وفساد مؤسساتي.6 والمطالبة بإصلاح التعليم والصحة 3 تؤكد على ضرورة تحسين الخدمات العمومية كجزء لا يتجزأ من مفهوم العدالة الاجتماعية.

Table 1: تشخيص الوضع السوسيو-اقتصادي لجيل Z (بيانات مختارة)

المؤشر الاجتماعي/الاقتصاديالنسبة/العددالأهمية في الحراك الشبابي
العدد الإجمالي لجيل Z (مواليد 1997-2012)أكثر من 9.6 مليون نسمة (26.3% من السكان)

ثقل ديموغرافي ضخم ومحرك للمشهد المستقبلي 3

معدل البطالة (15-24 سنة)35.8%

تحدٍ وجودي يغذي الإحباط 3

فئة "النييت" (15-24 سنة)1.5 مليون شخص (25%)

إهدار كامل لرأس المال البشري 3

الأولوية القصوى (التشغيل)96%

الحاجة إلى فرص عمل مستدامة وتكافؤ الفرص 5

أولوية احترام حقوق الإنسان72%

ربط التنمية بالعدالة والحريات 5


المحور الثاني: التطور الكرونولوجي للرؤية الملكية تجاه الشباب (1999-2024)

2.1. التحول من الإحاطة إلى التمكين: التأسيس لتعاقد سياسي جديد

منذ تولي الملك محمد السادس العرش في عام 1999، شهد "خطاب الدولة" تحولًا استراتيجياً في مقاربة قضايا الشباب. هذا التحول كان واضحاً في الخطب الملكية، وخاصة تلك التي تُلقى بمناسبتي ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب، والتي أسست "لتعاقد سياسي جديد".7 النقلة النوعية الأبرز كانت الانتقال من منطق "الإحاطة" و"الرعاية" إلى فلسفة "التمكين".7

كان الهدف من هذا التغيير هو نقل الشباب من دور "مستهلكين للسياسات العمومية" إلى "فاعلين" في المسار التنموي، وشركاء في صناعة القرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.7 هذا التحول يعكس وعيًا استراتيجيًا راسخاً لدى المؤسسة الملكية بأهمية رأس المال البشري الشاب كركيزة أساسية للنموذج التنموي، ولتحقيق أهداف الإصلاح السياسي الشامل، وتعزيز قيم الحداثة والانفتاح في البلاد.7

2.2. تحليل المراحل الزمنية الرئيسية (وفقاً للتحليل الكرونولوجي)

يمكن تقسيم تناول قضايا الشباب في الخطب الملكية إلى أربع مراحل زمنية رئيسية 7:

  1. المرحلة 1 (1999–2003): التأسيس الرمزي والتعاقدي: في هذه المرحلة، كان التركيز على ربط الشباب بالذاكرة الوطنية وروح ثورة الملك والشعب، واعتبارهم "رمزًا للاستمرارية وطلائع الوطن".7 كان الهدف الأولي هو ترسيخ الانتماء القيمي كأولوية استراتيجية، وربط طاقات الجيل الجديد بـ "مشعل الكفاح الوطني".7

  2. المرحلة 2 (2004–2010): المقاربة الواقعية والتدخلية: انتقلت الخطابات هنا إلى تشخيص واقعي مباشر، مركزة على التحديات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى، وفي مقدمتها "الأمية والفقر وبطالة الشباب".7 شهدت هذه الفترة، التي تزامنت مع إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2005)، تحولاً معجمياً بارزاً، حيث استُبدلت المفردات الهوياتية بمفاهيم عصرية مثل "التمكين" و"الإدماج" و"التأهيل" و"الإنتاجية".7 شكلت هذه المرحلة نقطة ارتكاز قوية لترجمة الخطاب إلى فعل اقتصادي موجه.

  3. المرحلة 3 (2011–2017): الإصلاح الدستوري والمشاركة: جاءت هذه المرحلة في سياق التحولات الإقليمية، وركزت الإصلاحات الدستورية على ضرورة "توسيع وتعزيز مشاركة الشباب" ودعم اندماجهم في الحياة العامة.7 وقد عكست هذه المقاربة محاولة لاستيعاب التطلعات الشبابية في إطار دستوري يضمن مشاركة أكبر.

  4. المرحلة 4 (2018–2024): الشباب كـ "الثروة الحقيقية" في النموذج التنموي الجديد: شهدت هذه المرحلة وصفاً جديداً ومحورياً للشباب، حيث اعتبروا "الثروة الحقيقية للبلاد".7 تبع ذلك دعوة واضحة لوضع قضاياهم في صلب النموذج التنموي الجديد (NDM)، مع إبراز ضرورة إطلاق جيل جديد من مراكز التكوين المهني لربط التكوين بسوق الشغل والمهن المستقبلية.7 هذا التحول يمثل انتقالاً من التشخيص العام إلى الدعوة إلى إجراءات عملية ومحددة في مجالي التكوين والتشغيل، في مواجهة ارتفاع معدلات البطالة وهجرة الكفاءات.7

Table 2: مراحل تطور الخطاب الملكي تجاه الشباب (1999-2024)

المرحلة الزمنيةالسمة الرئيسية للخطابالمحور المركزي والمفردات الدلاليةالتأثير الاستراتيجي
1999–2003التأسيس التعاقدي والرمزيالانتماء القيمي، روح الثورة، الذاكرة الوطنية

ترسيخ مكانة الشباب كرمز للاستمرارية 7

2004–2010المقاربة الواقعية والتدخليةالتمكين، الإدماج، التأهيل، الإنتاجية، مواجهة البطالة

تحويل الخطاب إلى فعل اقتصادي (عبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية) 7

2011–2017الإصلاح الدستوري والسياسيالمشاركة، الاندماج في الحياة العامة، الحقوق الدستورية

تعزيز الإطار التشريعي لاحتواء الحراك الشبابي 7

2018–2024النموذج التنموي الجديد (NDM)الثروة الحقيقية للبلاد، التكوين المهني، سوق الشغل المستقبلي

الدعوة لإجراءات عملية ومندمجة لمكافحة البطالة وهجرة الكفاءات 7

2.3. الرسائل الحازمة للمؤسسة الملكية: نقد ضعف الأداء التنفيذي

لم يقتصر الخطاب الملكي على التوجيه الاستراتيجي فحسب، بل شمل أيضاً نقداً حازماً للفاعلين السياسيين والإداريين الذين يعيقون تحقيق هذه الرؤية. وقد وجه الملك "التوبيخ" إلى الأحزاب والمنتخبين بسبب فشلهم المتكرر في تأطير المواطنين وخدمة تطلعاتهم.4 هذا النقد المباشر للطبقة السياسية التي "تكتفي بالظهور في لحظات النجاح وتختفي عند الأزمات" 4 يضع المؤسسة الملكية في موقع الضامن لتطبيق العدالة الاجتماعية والمجالية 9 ومحاربة الفساد.4

إن تزامن نقد الملك للمؤسسات الوسيطة مع تصاعد احتجاجات جيل Z يوفر غطاءً رمزياً قوياً للحراك الشبابي، ويعزز الرأي القائل بأن المؤسسة الملكية هي التي تدفع نحو الإصلاح بينما يعيق الفاعلون التنفيذيون ذلك. هذه الدينامية تعزز شرعية المطالب الشبابية، حيث يجد الشباب أنفسهم متفقين مع توجهات المؤسسة الملكية في أولوية القطاعات الاجتماعية وضرورة تحقيق العدالة المجالية.4


المحور الثالث: ديناميات الاحتجاج الشبابي وأزمة الوساطة السياسية

3.1. الحراك الرقمي: الفضاء الافتراضي كساحة رئيسية للتعبير

يمثل جيل Z جيلاً نشأ في الثقافة الرقمية، وقد أتقن أدوات التواصل الحديثة ليستخدمها في تسيير دفة الاحتجاج. وبدلاً من الاعتماد على الأشكال التقليدية للتعبير، حول هذا الجيل الفضاء الافتراضي ومنصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة رئيسية للتعبير عن مطالبه وتشكيل مستقبل المشهد الاجتماعي والسياسي.3

يتم تنظيم الحملات وتعبئة الرأي العام "من خلف الشاشات" وتُصنع شعارات الاحتجاج عبر المنصات الرقمية قبل أن تجد صداها وزخمها في الشارع وعلى أرض الواقع.3 يتميز هذا الحراك بأنه سريع الانتشار ويتجاوز الحواجز الجغرافية والتقليدية، ويطرح مطالب اجتماعية "نقية وصافية" مثل "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية".4 هذه المطالب الواضحة تركز على إصلاح قطاعي الصحة والتعليم 3، وتجعل من الصعب على الأحزاب التقليدية امتصاص أو احتواء هذا الحراك بسهولة.

3.2. أزمة الثقة الهيكلية تجاه الأحزاب والحكومة

تعكس موجة احتجاجات جيل Z تصاعد "فجوة الثقة بين الشباب والحكومة".1 يرى المحللون أن هذه التحركات تعبر عن جيل جديد لم يعد يجد نفسه في السياسات التقليدية أو الأطر الحزبية والنقابية القديمة.1

لقد أثبتت الوسائط التقليدية محدوديتها في استيعاب المطالب العادلة للشباب؛ فالمدرسة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، كلها عجزت عن أداء دور الوساطة بفعالية، مما دفع الشباب لاقتحام الفضاء العمومي بحثًا عن صوت مسموع وفاعل في معادلة التغيير.4 يشعر الشباب بأن السياسات الحالية لم تواكب تطلعاتهم في التشغيل والتعليم والحياة الكريمة، وأن غياب قنوات فعالة للحوار جعل الشارع هو المنفذ الوحيد للتعبير.1 إن لجوء الشباب لخطاب مباشر موجه إلى المؤسسة الملكية 2، بدلاً من التفاوض مع الحكومة أو الأحزاب، يمثل مؤشراً خطيراً على تآكل دور المؤسسات المنتخبة، ويؤكد أن أزمة النظام السياسي المغربي هي في جوهرها أزمة تنفيذية ووساطة سياسية فاشلة.2

3.3. العدالة الاجتماعية والمجالية كشعار مركزي للاحتجاج

تتوافق المطالب الأساسية لجيل Z المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والمجالية بشكل لافت مع التوجيهات الملكية. فبينما يشدد الشباب على ضرورة محاربة الفساد 6 وإصلاح القطاعات الاجتماعية، تؤكد الخطب الملكية على أولوية تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية الحقيقية.4

كما أن دعوة جيل Z إلى توفير فرص عمل في جميع المناطق، بما في ذلك الأرياف، وعدم تركيز المشاريع حصراً في المدن الكبرى 6، يتماشى تماماً مع الدعوات الملكية لإرساء تنمية منصفة. هذا التوافق بين رؤية القيادة العليا ومطالب القاعدة الشبابية يخلق فرصة تاريخية للمغرب لتجديد الثقة بين الدولة والمجتمع، شريطة أن تُترجم هذه التوجيهات إلى إصلاحات هيكلية تعيد الأمل.4 إن تزامن نقد الملك للطبقة السياسية مع الحراك الشبابي يعزز الرأي القائل بأن المؤسسة الملكية هي المحرك للإصلاح، بينما يمثل الفاعلون التنفيذيون العائق الأكبر أمام تحقيقه.


المحور الرابع: تقييم السياسات العمومية: المسافة بين التوجيه والتنفيذ

على الرغم من وضوح الرؤية الملكية في مجال التمكين، فإن التطبيق العملي للسياسات العمومية يكشف عن مسافة كبيرة بين طموح التوجيهات الملكية وقدرة المؤسسات على التنفيذ الفعال.

4.1. ريادة الأعمال والتمويل: برنامج "فرصة" (Forsa)

يُعتبر برنامج "فرصة" مبادرة حكومية رائدة تهدف إلى دعم حاملي المشاريع عبر التمويل (بحد أقصى 100,000 درهم)، والتكوين، والتتبع ما بعد التمويل.10 استطاع البرنامج تجاوز التوقعات، حيث مول 21,200 حامل مشروع خلال نسختيه 2022 و2023.10

إحدى النقاط الإيجابية الرئيسية للبرنامج هي مساهمته في تحقيق العدالة المجالية، حيث أن 69 في المائة من المشاريع الممولة كانت في المجال القروي، مقابل 31 في المائة في المجال الحضري.11 ومع ذلك، يواجه البرنامج تحدياً كبيراً يتمثل في الفجوة بين حجم الطلب والقدرة التمويلية. فقد بلغ عدد الطلبات الواردة 300,000 طلب 11، مما يعني أن التمويل لم يغط سوى نحو 7 في المائة فقط من إجمالي الطلبات. هذا الفارق الهائل يؤكد أن الأزمة تتطلب ميزانيات ضخمة تتجاوز بكثير المخصصات الحالية لتلبية الطموحات الريادية المتزايدة لدى جيل Z.

4.2. برامج التشغيل الموجهة: برنامج "أوراش" (Aurach)

يأتي برنامج "أوراش" استجابة للتوجيهات الملكية بالعناية بالعنصر البشري في سياق النموذج التنموي الجديد.12 ويهدف إلى توفير شغل مباشر ومؤقت (لمدة تتراوح بين 3 و 9 أشهر) في أوراش عامة ذات منفعة عامة، مثل البيئة، ورقمنة الأرشيف، والتنشيط الثقافي.12 ويضمن البرنامج للمستفيدين الحصول على دعم مالي والتصريح بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتغطية الصحية.14

الهدف الأعمق لأوراش هو التكوين واكتساب كفاءات جديدة وتطوير مهارات وسلوكيات مرتبطة بتنمية روح المواطنة وثقافة العمل، لتهيئتهم لولوج سوق الشغل المستقبلي.13 ومع ذلك، فإن الطبيعة المؤقتة للعمل لا تلبي الحاجة الأساسية لجيل Z المتمثلة في التشغيل المستدام.6 علاوة على ذلك، تواجه عملية التنفيذ تحديات حوكمة محلية، مثل الخلافات حول التوزيع المنصف للحصص على مستوى الأقاليم؛ ففي إقليم السمارة مثلاً، طُرح ملتمس مستعجل لرفع الحصة الممنوحة التي لا تتماشى مع الكثافة السكانية وخصوصية المنطقة.13 هذا يعكس فشلاً في ترجمة مبدأ العدالة المجالية على المستوى الجهوي.

Table 3: مصفوفة تقييم برامج التشغيل الموجهة لتمكين جيل Z

البرنامجالهدف الرئيسيمزايا التطبيقإشكالية التنفيذ والتمويل
فرصة (FORSA)تمويل ودعم ريادة الأعمال للجميع

تمويل 21,200 مشروع، 69% منها في المجال القروي 10

تلبية 7% فقط من إجمالي الطلبات (300,000 طلب)؛ قصور في الميزانية 11

أوراش (Aurach)توفير شغل مؤقت في أوراش عامة

تأمين اجتماعي وتغطية صحية وتكوين في المواطنة 13

مؤقت بطبيعته ولا يوفر حلولاً مستدامة للبطالة؛ تحديات في العدالة المجالية وتوزيع الحصص 6

4.3. تحدي الملاءمة (Matching) والبرامج الإقليمية

لا تزال هناك فجوة كبيرة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق الشغل، رغم الدعوات الملكية المتكررة لإطلاق جيل جديد من مراكز التكوين المهني لربط التكوين بسوق الشغل المستقبلي.7 يؤدي عدم الملاءمة هذا إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب الحاصلين على شهادات، ويساهم بشكل مباشر في ظاهرة هجرة الكفاءات.7

هناك جهود موازية وبرامج تدعم التمكين الاقتصادي للفئات الهشة، مثل مبادرة "تيبو" 15 التي تستخدم الرياضة كأداة للإدماج الاجتماعي، بالإضافة إلى برامج التعاون الدولي الموجهة لدعم ريادة الأعمال لدى الشباب غير حاملي الشهادات أو تحسين قابلية تشغيل النساء.16 بيد أن هذه الجهود، وإن كانت مهمة، تبقى متفرقة ولا ترتقي إلى مستوى خطة وطنية مندمجة تعالج المشكلة الهيكلية لعدم الملاءمة. يجب أن ينصب التركيز على توجيه الاستثمار والتكوين نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية التي تتوافق مع الخصائص الرقمية لجيل Z.


المحور الخامس: الاستنتاجات والتوصيات الاستراتيجية (آفاق سد الفجوة)

5.1. خلاصة التوافق والتباين (مفارقة الحكم)

يؤكد التحليل أن هناك توافقاً استراتيجياً قوياً بين الخطاب الملكي ومطالب جيل Z، خاصة فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد.4 فالرؤية الملكية للتمكين متقدمة وتؤسس لنموذج تنموي يرى في الشباب "الثروة الحقيقية للبلاد".7

لكن المفارقة تكمن في أن هذه الإرادة السياسية العليا تتعثر عند محطة التنفيذ المتوسطة (الحكومة والإدارة). أزمة المغرب ليست أزمة رؤية، بل أزمة تطبيق، تتجلى في استمرار البطالة الهيكلية وارتفاع فجوة الثقة.1 إن الأزمة هي أزمة مؤسسات فاعلة وميزانيات كافية لترجمة التوجيهات السامية إلى واقع ملموس.8

Table 4: العلاقة التبادلية بين الخطاب الملكي ومطالب جيل Z (مصفوفة التوافق)

مطالب جيل Z (الاحتجاجات)التوجه في الخطاب الملكي (النموذج التنموي)إشكالية التنفيذ

التشغيل المستدام ومكافحة البطالة (96%) 3

الدعوة إلى ربط التكوين بسوق الشغل وإطلاق جيل جديد من مراكز التأهيل 7

عدم الملاءمة بين مخرجات التكوين واحتياجات السوق؛ استدامة برامج التشغيل المؤقتة 6

محاربة الفساد والعدالة الاجتماعية 4

التوجيه بنقد الأداء الحكومي والسياسي والفشل في تأطير المواطنين 9

غياب آليات مساءلة رادعة للفاعلين الذين يعيقون الإصلاح 9

العدالة المجالية (تشغيل في الأرياف) 6

الدعوة إلى إرساء تنمية منصفة وعدالة مجالية حقيقية 9

تباين في تطبيق البرامج الحكومية وتوزيع الحصص على الأقاليم 13

حرية التعبير والمشاركة السياسية الفاعلة 5

التحول من الرعاية إلى التمكين؛ توسيع المشاركة الدستورية للشباب 7

تآكل الثقة في المؤسسات الوسيطة وفشلها في استيعاب مطالب الشباب 2

5.2. التحديات القادمة (مستقبل العلاقة بين الشباب والدولة)

يمثل تحول ساحة الاحتجاج إلى الفضاء الرقمي تحدياً جديداً للفاعلين التقليديين. تتطلب هذه الديناميكيات آليات "استجابة رقمية" سريعة وشفافة من جانب الحكومة لتجاوز البيروقراطية وتفادي التصعيد في الشارع.3 لا يمكن التعامل مع الأزمة الاقتصادية بمعزل عن تلبية المطالب المتعلقة بالحريات والحقوق.5 إن استمرار تجاهل هذه الأصوات أو عدم توفير قنوات حوار فعالة قد يؤدي إلى تصاعد الحراك، مما يؤكد أن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي مرتبط ارتباطاً عضوياً بإصلاح الحوكمة والوساطة السياسية.

5.3. التوصيات الاستراتيجية

لترجمة الرؤية الملكية إلى إنجازات مستدامة وسد فجوة الثقة مع جيل Z، يوصي التقرير بما يلي:

  1. إصلاح الوساطة السياسية: يجب إعادة تأهيل الأحزاب السياسية والمنتخبين لتكون قادرة على أداء دورها في "تأطير المواطنين" 9، وإلا فإنه يجب استحداث آليات حوار مؤسساتي جديد وشفاف، يشرك جيل Z مباشرة مع صناع القرار لتجاوز حالة العزل السياسي التي تدفع الشباب للحديث المباشر مع المؤسسة الملكية.2

  2. استدامة برامج التشغيل: يجب تحويل البرامج المؤقتة (كأوراش) إلى خطط استثمارية طويلة الأمد تضمن ربط التمويل بإنشاء فرص عمل مستقرة وذات جودة، مع التركيز على الفئة العمرية 25-34 سنة التي لا تزال تعاني من بطالة مرتفعة (21.9%).3

  3. التفعيل الحقيقي للعدالة المجالية: يجب إخضاع برامج التشغيل وريادة الأعمال (كأوراش وفرصة) لتقييم دوري صارم يضمن التوزيع العادل للحصص والنتائج على الأقاليم والجهات، وتوجيه جزء أكبر من الاستثمار نحو الأرياف والمناطق الأقل حظاً لامتصاص الفوارق الاجتماعية.6

  4. الشفافية والمساءلة: يجب ترجمة التوجيهات الملكية حول محاربة الفساد 4 إلى آليات قانونية وإدارية واضحة تضمن المساءلة الفورية للفاعلين الذين يثبت إعاقة عملهم لجهود الإصلاح والتنفيذ.

  5. الاستثمار في اقتصاد المستقبل: يجب توجيه برامج التمويل والتكوين المهني نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، مثل التكنولوجيا المتقدمة، والمهن الخضراء، والاقتصاد الرقمي، بما يتماشى مع خصائص جيل Z الرقمية، وذلك لضمان استيعاب الكفاءات العالية المهاجرة وتقليل الفجوة بين التكوين وسوق الشغل.

تعليقات