القائمة الرئيسية

الصفحات

المرجعية الدستورية والتحول نحو دولة الحكامة

 



I. الإطار المرجعي للقيادة الاستراتيجية والتوجيه الملكي

تعتبر المؤسسة الملكية في المغرب، وفقاً للدستور، الموجه الاستراتيجي وراسم السياسات الكبرى، والضامن للتوازن بين السلطات.1 إن التوجيه الحازم الذي يصدر عن القيادة العليا للمملكة لا يقتصر على تحديد الأهداف، بل يهدف إلى إرساء نموذج للحكامة يعتمد على المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والكرامة والمساواة.2

I.1. المرجعية الدستورية والتحول نحو دولة الحكامة

تؤكد الأحكام العامة للدستور على اختيار المملكة الذي لا رجعة فيه في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون.2 في هذا الإطار، يحدد الفصل 41 دور الملكية كضامن للاستقرار وراسم للسياسات العامة. هذا الدور يفرض على جميع الفاعلين، بمن فيهم الجهاز التنفيذي (الباب الخامس، الفصل 87)، الالتزام بالتوجهات الوطنية العليا.

يُعدّ التوجيه الملكي التزاماً استراتيجياً يتجاوز الولاية التشريعية للحكومات، ويسعى إلى معالجة الإخفاقات الهيكلية التي تراكمت عبر العقود. هذا الالتزام مرتبط بشكل مباشر بترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة، التي تعتبر ركائز أساسية لأي سياسة عمومية فعالة.3

I.2. النموذج التنموي الجديد (NMD) كإطار للرؤية الاستشرافية

جاء النموذج التنموي الجديد تتويجاً لرؤية استشرافية أدركت قصور النموذج السابق. وقد أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن النموذج التنموي السابق كان "غير قادر على تحقيق هذا الطموح" في مجالات حيوية مثل الرخاء الاقتصادي، وتنمية الفرد، والإدماج، وتكافؤ الفرص.4 هذا التشخيص المؤسساتي يشكل نقطة الانطلاق لتحديد الخلل في آليات التنفيذ.

للتعامل مع قصور التنفيذ البيروقراطي والسياسي، تم اعتماد آليات تتبع ذات طابع استراتيجي عالي. وتتمثل إحدى أبرز هذه الآليات في إنشاء هيئة تحت السلطة المباشرة للملك لتتبع النموذج التنموي الجديد وحفز الأوراش الاستراتيجية.5 يهدف إنشاء هذه الآلية إلى ضمان الانسجام العام والتناسق في وضع الاستراتيجيات، ودفع الإصلاحات التحولية. كما أنها تُمكّن من تجاوز العقبات المؤسساتية التقليدية وتضع الفاعلين أمام مسؤولياتهم، وتخلق تآزراً يتجاوز مدة الولايات الحكومية.5

إن الحاجة إلى آلية تتبع ملكية مباشرة تشير بوضوح إلى عدم الثقة المطلقة في نجاعة آليات التنفيذ الحكومية التقليدية وقدرتها على تحقيق مشاريع تحولية بهذا الحجم. ويعكس هذا التدبير الوعي بأن التوجيه الحازم لا يمكن أن ينجح ما لم يتم التغلب على "المقاوم الداخلي" المتمثل في الفساد البيروقراطي وضعف الحكامة 3، الذي يستهلك الموارد ويشوه التنفيذ، حتى في ظل أفضل الرؤى الاستشرافية.

II. وزارة الداخلية كجهاز محوري في تنفيذ الرؤية الاستراتيجية

تُعدّ وزارة الداخلية، عبر مؤسسة الولاة والعمال، الآلية المركزية التي تتولى مهمة نقل التوجيه الحازم وتطبيقه على أرض الواقع في المجالات الترابية. هذه الآلية تمثل نقطة الالتقاء بين القرار المركزي والتنفيذ المحلي، مما يجعل دورها معقداً وحاسماً في آن واحد.

II.1. المؤسسة الولائية/العمالية: الأداة المركزية للتوجيه الحازم

يُجسد الولاة والعمال، وفق التحليل الاستراتيجي، امتداداً للدولة في مجالاتها الترابية.1 ارتباطهم الوثيق بالوصاية الملكية المباشرة يمنحهم عمقاً استراتيجياً، ويضمن حياد الإدارة الترابية ومطابقتها للتوجهات الوطنية العليا.1 فهم ليسوا مجرد موظفين، بل هم قادة الصف الأول في المعركة من أجل تماسك المجال وفعالية السياسات وخدمة المواطن.1

يشمل دورهم وظائف متعددة تجمع بين المهام الأمنية، والإدارية، والتنموية.1 ويقومون بتنسيق تدخلات الدولة والإشراف على تنفيذ المشاريع العمومية.1

II.2. ازدواجية الدور الدستوري وآليات التنفيذ

حدد الفصل 145 من الدستور الإطار العام لاختصاصات الولاة والعمال، مؤكداً أنهم يمثلون السلطة المركزية في الجماعات الترابية، ويعملون باسم الحكومة لتأمين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية.6 هذا التمثيل للسلطة المركزية يترافق مع المراقبة الإدارية التي يمارسونها على المنتخبين.6

كما يتضمن دورهم جانباً تنموياً مهماً، فهم يساعدون رؤساء الجماعات الترابية، خاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية.6 ويقع على عاتقهم، تحت سلطة الوزراء المعنيين، مهمة تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية والسهر على حسن سيرها.6

II.3. دور الداخلية في تفعيل الجهوية المتقدمة

تتصدر وزارة الداخلية المشهد في تفعيل الأوراش الكبرى، أبرزها ورش الجهوية المتقدمة. فقد أكد وزير الداخلية أن الوزارة بصدد إعداد خارطة طريق لتسريع تنزيل الجهوية المتقدمة، تنفيذاً للتوجيهات الملكية.7 وترتكز هذه الخارطة على محاور تنفيذية تشمل: تنزيل الاتفاقيات الإطار الموقعة، وتفعيل التوصيات الصادرة عن المناظرات الوطنية، واستكمال التدابير والإجراءات الملتزم بها.7

ويبرز الدور المركزي للوزارة من خلال مساهمتها المالية الضخمة في الاتفاقيات الإطار الكبرى التي تهم المجال الترابي. على سبيل المثال، تساهم وزارة الداخلية عبر صندوق مواكبة النقل الطرقي الحضري والرابط بين المدن بمبلغ 7.32 مليار درهم في تمويل برنامج الاستثمار الخاص بعقود التدبير المفوض للنقل العمومي.7 كما تساهم بـ 2.5 مليار درهم في تدبير قطاعات النفايات المنزلية.7

هذا التمويل المركزي الضخم، رغم أهميته لتسريع الأوراش، يؤكد أن وزارة الداخلية لا تزال تحتفظ بالسيطرة الفعلية على القرار الاستراتيجي عبر التحكم في ميزانيات التنفيذ. فإذا كانت الداخلية تدفع الجزء الأكبر من الفاتورة، فإنها عملياً تُبقي الجهات في وضع تبعية مالية، مما يُحوّل الجهوية المتقدمة إلى عملية "لاتمركز مالي موجه مركزياً" أكثر منها "لامركزية فعلية" تقوم على نقل الاختصاصات المالية بالتوازي مع الاختصاصات الإدارية.8 هذا الوضع يولد إرباكاً في الصلاحيات ويُعتبر أحد مكامن الخلل في تفعيل اللامركزية.

III. تشخيص الخلل: مكامن العجز البنيوي في منظومة التنفيذ

على الرغم من وضوح الرؤية الملكية الحازمة ووجود آلية تنفيذية مركزية قوية (وزارة الداخلية)، فإن النتائج على أرض الواقع تشير إلى وجود عجز بنيوي يعيق تحويل الزخم السياسي إلى مردود اقتصادي واجتماعي مستدام. يمكن تصنيف هذا الخلل في ثلاثة محاور رئيسية.

III.1. الخلل الاقتصادي: ضعف نجاعة الاستثمار والمردودية

إن أبرز مؤشر على فشل آليات التنفيذ في القطاعات المختلفة، بما في ذلك تلك التي تشرف عليها الداخلية بشكل مباشر، هو ضعف نجاعة الاستثمار. وقد شخص المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي هذا الضعف من خلال مؤشر المعامل الهامشي للرأسمال (ICOR) الذي تجاوز 9 نقاط في المتوسط خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة.9

تعني هذه الأرقام أن المملكة تحتاج إلى أكثر من تسع وحدات من الاستثمار لتوليد وحدة واحدة من النمو الاقتصادي، وهو مستوى غير كفء للغاية ويدل على إهدار جسيم لرأس المال. هذا الخلل الهيكلي يفسر النتائج السلبية الأخرى على الاقتصاد، مثل التباطؤ شبه المستمر في إنتاجية العمل منذ عام 2008، والانخفاض النسبي في كثافة النمو من حيث الشغل.9

إن ارتفاع مؤشر ICOR يطرح تساؤلات جدية حول جودة القرارات الاستثمارية وفعالية الإشراف على المشاريع الكبرى التي تتولى تنفيذها القطاعات الحكومية والمصالح اللاممركزة التي ينسقها الولاة والعمال. فإذا كانت التوجيهات حازمة والاستثمار ضخماً في البنية التحتية، فإن المردود الضعيف يشير إلى أن جزءاً من هذا الاستثمار يتم توجيهه بطريقة غير منتجة، أو يتم استنزافه عبر الفساد والهدر البيروقراطي.3 وتتجلى النتيجة المباشرة لهذا الخلل في تدهور الأوضاع الاجتماعية، حيث انزلق ما يقارب 3.2 مليون شخص إضافي إلى دائرة الفقر أو الهشاشة في عام 2022، مما أعاد البلاد إلى الوضع السائد قبل عقد من الزمن.9

III.2. الخلل الإداري: تضارب الصلاحيات وغياب التنسيق الأفقي

على الرغم من أن الولاة والعمال مكلفون بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة 6، إلا أن ثقافة التنسيق الأفقي بين القطاعات الحكومية المختلفة تظل ضعيفة.10 إن نجاح السياسات العمومية، سواء المتعلقة بالشباب أو غيرها، يتطلب استراتيجية أفقية ومندمجة ينسقها جهاز واحد.10 غياب هذا التنسيق يؤدي إلى تشتيت الجهود وضياع الموارد.

الأكثر أهمية هو التناقض الوظيفي الذي يعيق تفعيل الجهوية المتقدمة:

  1. صراع الأدوار: يجمع دور الوالي/العامل بين مهمة ممثل السلطة المركزية والمراقب الإداري، وبين دور المساعد والداعم للمنتخبين.6 هذا التضارب يمنح الدور الرقابي ثقلاً أكبر، مما يحد من مساحة الابتكار والاستقلالية التي يفترض أن تتمتع بها المجالس الجهوية والترابية المنتخبة.

  2. أزمة الموارد مقابل الاختصاصات: يكمن خلل بنيوي رئيسي في عدم تفعيل عملية تحويل الدولة للموارد المالية اللازمة لممارسة الاختصاصات المنقولة للجماعات الترابية.8 هذا يعني أن الجماعات تحصل على "اختصاصات ورقية" لكنها تظل عاجزة مالياً عن ممارستها، مما يضمن بقاء السلطة التقريرية الفعلية والمالية في يد المركز (وزارة الداخلية والقطاعات الحكومية). إن غياب رؤية استراتيجية واضحة لتمويل الجماعات الترابية وتعزيز جباياتها المحلية يمثل عائقاً جوهرياً أمام التنمية المنصفة والمستدامة.8

III.3. الخلل الأخلاقي والرقابي: ضعف المساءلة والمتابعة المستقلة

تُعدّ النزاهة والشفافية شرطاً لنجاح التنفيذ. وقد أشارت هيئة النزاهة إلى أن الفساد يمثل "أخطر التهديدات التي تقوض أسس العدالة والتنمية المستدامة، وتحد من فعالية السياسات العمومية".3 إن محاربة الفساد هي أولوية استراتيجية وواجب وطني 3، وإخفاق آليات التنفيذ في هذه الجبهة يضمن استمرار هدر الموارد وتشويه أولويات الاستثمار.

كما أن النظام الرقابي القائم لا يضمن بالضرورة الفعالية المطلوبة في الوقت المناسب. إن وجود المؤسسات الدستورية الرقابية (كالمجلس الأعلى للحسابات 11) ليس كافياً إذا لم يتم ربط التقييم بالمساءلة السريعة. لهذا السبب، طالب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بضرورة "ضمان متابعة صارمة لتنفيذ الإجراءات المخطط لها حتى أدق المستويات الترابية، مع إجراء دراسات تأثير على أساس معايير موضوعية، من قبل كيان مستقل".9

النداء لإنشاء "كيان مستقل" للتقييم يشير إلى وجود قصور في قدرة المؤسسات الرقابية التقليدية على قياس المردودية الاقتصادية والاجتماعية للبرامج الحكومية الكبرى (مثل "فرصة" و"انطلاقة" و"أوراش") وتقويمها استناداً إلى مؤشرات علمية واضحة.10 هذا الضعف الرقابي يسمح باستمرار الخلل الهيكلي، مثل ضعف كفاءة الاستثمار.

يمكن تلخيص العلاقة المعقدة بين السلطات ومواقع الخلل كما يلي:

مصفوفة الأدوار المؤسساتية وتناقضات التنفيذ

الكيان/المؤسسةالدور الاستراتيجي (التوجيه)الدور التنفيذي/الرقابي (الآلية)موقع الخلل البنيوي المحتمل
الملكية (الفصل 41)

تحديد التوجهات الكبرى (NMD، الجهوية)، ضمان وحدة الدولة والحكامة.2

آلية التتبع المباشر للنموذج التنموي وحفز الأوراش الاستراتيجية.5

مقاومة المركزية: حاجة الآلية الملكية المباشرة لتجاوز البيروقراطية المقاومة في الإدارة المركزية.
وزارة الداخلية (الولاة/العمال)

تنسيق نشاط المصالح اللاممركزة وتمثيل السلطة المركزية.1

تنفيذ مقررات الحكومة والمراقبة الإدارية، تسريع الجهوية المتقدمة وتمويل الأوراش الترابية.7

تضارب الصلاحيات: تغليب الدور الرقابي/الأمني على التنموي؛ المركزية المالية التي تقوض استقلال الجماعات الترابية.8

الجماعات الترابية المنتخبة

التنمية المحلية والجهوية، تفعيل الديمقراطية المحلية.2

تنفيذ المخططات والبرامج التنموية بمساعدة الولاة والعمال.6

شح الموارد: ضعف الموارد الذاتية وبطء نقل الاختصاصات المالية مما يعيق المردودية والمساءلة المحلية.8

خلاصة التشخيص المؤسساتي لأبرز مكامن الخلل (الـ Khallal)

مصدر الخلل (المحور)التشخيص المستخلَص (التقارير المؤسساتية)النتائج السلبية على التنفيذ الفعال
الخلل الاقتصادي (النجاعة)

ضعف كفاءة الاستثمار (مؤشر ICOR تجاوز 9) والتباطؤ في إنتاجية العمل.4

فشل في تحقيق الرخاء الاقتصادي المستهدف، وتفاقم الفقر والهشاشة (3.2 مليون شخص إضافي متضرر في 2022).9

الخلل الإداري (التنسيق)

غياب آليات قيادة وإشراف وتنسيق فعالة بين المستويات الترابية؛ إشكالية عدم نقل الموارد المالية مع الاختصاصات.8

تشتت السياسات العمومية، تفاوتات مجالية، بطء تنزيل الجهوية.
الخلل الأخلاقي (النزاهة)

الفساد يقوض أسس العدالة والتنمية المستدامة ويحد من فعالية السياسات العمومية.3

هدر للموارد، تدهور الثقة المؤسساتية، تشويه لنتائج الاستثمار.
الخلل الرقابي (المساءلة)

الحاجة لضمان متابعة صارمة لتنفيذ الإجراءات على أدق المستويات الترابية من قبل "كيان مستقل".9

صعوبة في تقويم السياسات الحكومية في الوقت المناسب، ضعف في إلزام الفاعلين الترابيين بالنتائج.10

IV. سبل الإصلاح: نحو تفعيل حقيقي للرؤية الاستشرافية

إن معالجة الخلل لا تتطلب فقط توجيهات إضافية، بل إصلاحاً هيكلياً يهدف إلى مواءمة طبيعة الآلية التنفيذية (وزارة الداخلية) مع متطلبات الحكامة الترابية الجديدة، خاصة فيما يتعلق بالنجاعة الاقتصادية والمساءلة.

IV.1. إعادة تعريف الحكامة الترابية وفصل الأدوار

يجب إعادة هيكلة العلاقة بين الولاة والمنتخبين لتقليص هيمنة المراقبة الإدارية والتركيز على دور الوالي كقوة دافعة ومنسق للمصالح اللاممركزة.1 يجب أن يتحول الولاة والعمال إلى قادة للتنمية الاقتصادية، لا مجرد منفذين أمنيين أو مراقبين بيروقراطيين.

لتحقيق اللامركزية الفعلية، من الضروري الفصل بين نقل الاختصاصات ونقل الموارد.8 يجب التسريع ببلورة رؤية استراتيجية لتمويل الجماعات الترابية، بما في ذلك مراجعة منظومة الجبايات المحلية لتعزيز الموارد الذاتية، وهو ما يضمن الاستقلال المالي للجماعات ويمكنها من تحمل المسؤولية الكاملة عن التنمية المنصفة والمستدامة.8

IV.2. تعزيز نجاعة الاستثمار وقياس الأثر

يتطلب التوجيه الحازم تنفيذاً ناجعاً، وهو ما يتناقض مع استمرار ارتفاع مؤشر ICOR. لذلك، يجب تبني إصلاحات تهدف إلى تحسين مردودية الاستثمار. أولاً، ينبغي ضمان الاتساق والتآزر بين ميثاق الاستثمار الجديد وأهداف صندوق محمد السادس للاستثمار، لضمان أن الآليات المالية تدعم الأهداف الاستراتيجية بكفاءة عالية.9

ثانياً، يجب تطبيق ثقافة تقييم الأثر، من خلال ضمان متابعة صارمة للبرامج وتقييمها من قبل هيئة مستقلة، كما أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.9 هذا يضمن تحويل السياسات من مجرد خطط إجرائية إلى سياسات قائمة على النتائج، وتضمن إخضاع البرامج الحكومية للتقويم العلمي المستمر.10

IV.3. مكافحة الفساد وتفعيل المساءلة الرقابية

إن فعالية التنفيذ مرهونة بالنزاهة.3 يجب مواصلة التعاون الاستراتيجي بين هيئة النزاهة والأجهزة الأمنية والقضائية لضمان تفعيل المساءلة. كما أن تفعيل آليات التصريح الإجباري بالممتلكات وضمان مساءلة المسؤولين الماليين 12 يُعد خطوة أساسية للحفاظ على الثقة المؤسساتية وضمان عدم هدر الأموال العامة في تنفيذ الأوراش الكبرى.

V. الخلاصة والتوصيات الاستراتيجية

يكشف تحليل العلاقة بين الرؤية الملكية الاستشرافية (NMD والجهوية) والآلية التنفيذية (وزارة الداخلية) أن الخلل يكمن في البنية الهيكلية للإدارة ونجاعة أدائها، وليس في غياب التوجيه الاستراتيجي. بينما تعمل المؤسسة الملكية على توفير القيادة الحازمة وإنشاء آليات تتبع مباشرة لتجاوز المركزية، فإن الآلية التنفيذية المتمثلة في الولاة والعمال تعاني من تناقض وظيفي بين الرقابة والتمكين، ومن تبعية مالية تفرضها المركزية المستمرة عبر التمويل الحكومي.7

إن المؤشرات الاقتصادية، لا سيما ضعف كفاءة الاستثمار (ICOR > 9) 9، تؤكد أن المشكلة تكمن في الجودة والكفاءة والنزاهة التي يُنفذ بها المشروع التنموي، وهي جوانب تتطلب إصلاحاً جذرياً للحكامة الترابية والمالية.

التوصيات الاستراتيجية:

  1. ربط الأداء الترابي بالمردودية الاقتصادية: يجب ربط تقييم أداء الولاة والعمال والمسؤولين الترابيين بمؤشرات النجاعة الاقتصادية (ICOR) الخاصة بالاستثمار في دوائر نفوذهم، لضمان تحويلهم من أدوات إدارية إلى قادة تنمويين مسؤولين عن نتائج الاستثمار.

  2. إلزامية نقل الموارد: يجب التسريع بإنهاء الطابع "الورقي" للاختصاصات المنقولة للجماعات الترابية، وذلك بإصدار النصوص التنظيمية والقوانين المالية اللازمة التي تضمن نقل الموارد المالية الكافية، ومراجعة الجبايات المحلية لتعزيز الاستقلال الذاتي للجهات.8

  3. إرساء المساءلة المستقلة: تفعيل توصية إنشاء هيئة مستقلة للتقييم والتقويم، تكون مهمتها الوحيدة هي قياس الأثر الفعلي للسياسات والبرامج العمومية الكبرى على المستوى الترابي، وتقديم نتائجها دون تأثير بيروقراطي، لضمان مساءلة موضوعية لجميع الفاعلين التنفيذيين.9

  4. التنسيق الأفقي القسري: يجب فرض آليات تنسيق أفقي إلزامية بين المصالح اللاممركزة تحت إشراف الولاة والعمال، مع تحديد مسؤولية واضحة لقطاع وزاري واحد ليكون المنسق الرئيسي للسياسات القطاعية المندمجة على غرار السياسات الموجهة للشباب.10

تعليقات