القائمة الرئيسية

الصفحات

 

ثورة البيانات في عالم كرة القدم

   



مقدمة: ثورة البيانات في عالم كرة القدم

شهدت كرة القدم في العقود الأخيرة تحولاً جذرياً لم يعد فيه التقييم يعتمد حصراً على الموهبة الفطرية أو الحكم الشخصي. لقد أصبحت اللعبة صناعة عالمية شديدة التنافسية، تسعى فيها الأندية إلى تحقيق كل ميزة ممكنة، سواء كانت تكتيكية أو مالية أو إدارية. وفي قلب هذا التحول، برز دور البيانات الضخمة كقوة ثورية، مما سمح للأندية بالانتقال من التقييم التقليدي إلى التحليل القائم على الأدلة.1 هذا التغيير لا يقتصر على تتبع الأرقام السطحية مثل الأهداف والتمريرات الحاسمة، بل يتجاوزها إلى فهم أعمق يُعرف باسم "التحليل الضمني" أو "التحليلات المتقدمة".2

تشكل البيانات الضخمة في الرياضة مجموعة هائلة من المعلومات التي تُجمع من مصادر متعددة ومعقدة، مثل أجهزة التتبع القابلة للارتداء، وكاميرات المراقبة، وأنظمة التحليل البصري المتقدمة.1 هذه البيانات تتيح للأندية الحصول على رؤى قيمة تساعد المدربين والمحللين على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن استراتيجيات الفريق، وتطوير اللاعبين، وإدارة التشكيلات.1 إن هذا النهج الجديد يُمكّن الفرق من الإجابة على أسئلة تتجاوز مجرد "ماذا حدث؟"، لتشمل "ماذا سيحدث؟" و"ماذا يجب أن نفعل حيال ذلك؟".2 إن الميزة التنافسية في سوق الانتقالات لم تعد حكراً على الأندية ذات الميزانيات الأضخم، بل أصبحت حكراً على الأندية الأكثر ذكاءً في تحليل البيانات.

القسم الأول: أساسيات التحليل الضمني للاعبين

مصادر البيانات: من أجهزة التتبع إلى التحليل البصري المتقدم

يُعد جمع البيانات الخطوة الأولى والأساسية في عملية التحليل المتقدم.1 في كرة القدم الحديثة، تتعدد مصادر البيانات وتتنوع لتشمل الجوانب البدنية والتكتيكية والفنية للاعب. تُعتبر أجهزة تتبع اللاعبين (GPS) من أبرز هذه المصادر. يتم ارتداء هذه الأجهزة، عادةً في سترة خاصة، أثناء التدريبات والمباريات، وتوفر بيانات دقيقة ومفصلة عن المسافة المقطوعة، وسرعات الجري المختلفة (مثل الركض والعدو السريع)، والحمل البدني الإجمالي الذي يوضع على جسم اللاعب.5 تُعد هذه المعلومات حيوية لتقييم مستويات اللياقة البدنية والجاهزية، ومراقبة الإرهاق، وتحديد أنماط الحركة التي قد تؤدي إلى الإصابة، مما يسمح للمدربين بوضع برامج تدريب مخصصة ووقائية.5

بالإضافة إلى أجهزة التتبع، تُستخدم أنظمة التتبع البصري (Optical Tracking) التي تعتمد على كاميرات متقدمة مُثبتة في الملاعب.8 تُقدم هذه الأنظمة رؤية شاملة لمواقع اللاعبين والكرة في كل لحظة من المباراة، مما يتيح جمع كميات هائلة من البيانات الموضعية. تُعتبر هذه البيانات أساساً للتحليل الضمني لأنها تسمح للمحللين بفهم تمركز اللاعبين، وأنماط حركتهم التكتيكية، ومجهودهم البدني، مما يساعد في تحسين أدوارهم ومسؤولياتهم أثناء المباريات.10

أما تحليل الفيديو المتقدم، فيُمثل حجر الزاوية الآخر في هذا المجال.10 تُستخدم برامج متخصصة مثل Catapult Pro Video وWyscout لدمج البيانات المادية مع لقطات الفيديو، مما يوفر رؤية شاملة لأداء اللاعبين والفرق.10 تُمكن هذه البرامج المحللين من تصنيف الأحداث الرئيسية في المباراة وتتبعها، مثل التمريرات والتدخلات والأخطاء، كما تُقدم رؤى عن الجوانب التكتيكية مثل الضغط المضاد (counter-pressing) وتغيير التشكيلات.11

أنواع البيانات: البيانات المادية، بيانات الأحداث، والبيانات الموضعية

يُمكن تصنيف البيانات التي تُجمع في كرة القدم إلى أنواع رئيسية.

  • البيانات المادية (Physical Data): تُركز على الجوانب البدنية للاعب وتشمل مقاييس مثل المسافة المقطوعة، وسرعة العدو، والقدرة على التحمل، ومعدل ضربات القلب.5 تُستخدم هذه البيانات بشكل أساسي لإدارة الحمل التدريبي ومنع الإصابات وتصميم برامج لياقة مخصصة.3

  • بيانات الأحداث (Event Data): تُسجل الأحداث الفنية التي تحدث على أرض الملعب، مثل الأهداف، التمريرات، التسديدات، التمريرات الحاسمة، والتدخلات.1 تُعتبر هذه البيانات هي أساس الإحصائيات التقليدية.

  • البيانات الموضعية (Positional Data): تُعد الأحدث والأكثر تطوراً، حيث تُقدم معلومات دقيقة عن موقع كل لاعب والكرة في كل لحظة. تُستخدم هذه البيانات لتقييم أنماط الحركة، ومراقبة التمركز، وتحليل الهيكل التكتيكي للفريق.10

كيفية تحويل البيانات الأولية إلى رؤى ضمنية: المقاييس المتقدمة والتحليل التنبؤي

يُكمن جوهر التحليل الضمني في تجاوز البيانات الأولية إلى استخلاص رؤى ذات قيمة حقيقية. تُقدم "التحليلات المتقدمة" إجابات على أسئلة تتجاوز التحليل الوصفي الذي يكتفي بالإجابة عن "ماذا حدث؟".2 أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو مقياس

الأهداف المتوقعة ()، الذي يُعَد مقياساً ضمنياً لأنه يُقيّم جودة الفرصة الهجومية بدلاً من الاكتفاء بالنتيجة النهائية (هدف أو لا). يحسب هذا المقياس احتمالية أن تتحول تسديدة معينة إلى هدف بناءً على عوامل مثل موقع التسديد، الزاوية، والظروف المحيطة.14 وبهذا، يُمكن تقييم أداء المهاجم بشكل موضوعي بعيداً عن الحظ، مما يكشف عن قدرته الحقيقية على خلق فرص التسجيل بغض النظر عن ما إذا كان قد سجل بالفعل أم لا.14

مثال آخر هو مقياس تمريرات التقدم (Progressive Passes)، الذي يُقيّم قدرة اللاعب على تحريك الكرة بشكل فعال نحو مرمى الخصم، مما يُظهر مساهمته في بناء اللعب الهجومي وكسر خطوط الخصم.

تُستخدم هذه المقاييس الضمنية كأساس للتحليل التنبؤي (Predictive Analytics) الذي يستخدم تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالنتائج المستقبلية.3 يمكن للتحليل التنبؤي أن يتنبأ بأداء لاعب معين في المستقبل، واحتمالية تعرضه للإصابة بناءً على بيانات الإجهاد البدني، وحتى نتائج المباريات.3 هذا النوع من التحليل يُمكّن الفرق من اتخاذ قرارات استباقية قائمة على الأدلة، مما يُحول البيانات من مجرد سجل تاريخي إلى أداة استشرافية.2

القسم الثاني: استراتيجيات الكشف عن المواهب غير المقدّرة

تطبيق "Moneyball" في كرة القدم: البحث عن القيمة المخفية

يُعد نهج "المال الكاشف" (Moneyball) الذي اشتهر في رياضة البيسبول أساساً استراتيجياً في كرة القدم الحديثة.17 يعتمد هذا المفهوم على استخدام التحليلات الإحصائية للعثور على لاعبين مقدرين بأقل من قيمتهم الحقيقية في السوق، أو "الجواهر الخفية".4 لم يعد هذا النهج حكراً على الأندية ذات الميزانيات المحدودة، بل أصبح استراتيجية معيارية حتى للأندية الكبرى.19 فالهدف ليس بالضرورة توفير المال، بل تقليل مخاطر الاستثمار في صفقات باهظة قد لا تتناسب مع أسلوب لعب الفريق.14

تحديد الخصائص الفردية المتطرفة: "لاعبو تغيير اللعبة"

بدلاً من البحث عن لاعبين "مثاليين" في كل شيء، تُركز الأندية التي تعتمد على البيانات على تحديد اللاعبين الذين يمتلكون "خاصية أو خاصيتين متطرفتين" (extreme characteristics).20 هذه الخصائص هي ما يجعل اللاعبين "يغيرون مجرى اللعبة". المدربون على استعداد لقبول بعض نقاط الضعف في المقابل، مع الاعتماد على فلسفة بناء فريق متكامل يستطيع تعويض تلك النقاط من خلال الأدوار المحددة والمكملة بين اللاعبين.20

التكامل التكتيكي: كيف تُقيّم الأندية مدى ملاءمة اللاعب لأسلوب اللعب

يُعد تقييم الملاءمة التكتيكية للاعب من أهم تطبيقات التحليل المتقدم.14 على سبيل المثال، قد يكون المهاجم غزير الأهداف في نادٍ يعتمد على الهجمات المرتدة، لكن قد لا يُظهر نفس الفعالية في فريق يتبع أسلوب الاستحواذ والبناء البطيء.18 تُقدم منصات البيانات أدوات متقدمة للمقارنة بين اللاعبين بناءً على مهارات محددة.23 كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحاكي أداء لاعب محتمل في سيناريوهات مختلفة مع فريقه الجديد قبل إتمام الصفقة، مما يمنح الأندية القدرة على اختبار الملاءمة التكتيكية بشكل افتراضي قبل اتخاذ قرار التوظيف.22

دور التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في ترشيح القائمة المختصرة

تستخدم الأندية خوارزميات التعلم الآلي لتحليل قواعد بيانات ضخمة تحتوي على عشرات الآلاف من اللاعبين، مما يساعد في تحديد المرشحين المحتملين في وقت قياسي.18 يمكن لهذه الخوارزميات أن تُولد قائمة مختصرة (shortlist) من اللاعبين الذين تتطابق مقاييسهم الضمنية مع المعايير المطلوبة للفريق. هذا يُتيح لفرق الكشافة التركيز على عدد أقل من اللاعبين الأكثر ملاءمة، بدلاً من السفر لمشاهدة عدد لا يُحصى من المباريات.18 هذه العملية تُوفر الوقت والموارد، وتُمكن الأندية من كشف المواهب في الدوريات الأقل شهرة حول العالم دون الحاجة إلى التواجد المادي.18

القسم الثالث: دراسات حالة من الميدان

نادي ليفربول: من "العيون" إلى "البيانات"

يُعتبر نادي ليفربول أحد أبرز الأمثلة على تطبيق التحليل القائم على البيانات. في عام 2012، اتخذ النادي خطوة ثورية بتعيين د. إيان جراهام كمدير للبحوث، مستوحياً نهج "المال الكاشف" من مالكيه الأمريكيين الذين يمتلكون أيضًا فريق بوسطن ريد سوكس للبيسبول.20 كان الهدف هو استخدام البيانات لإيجاد ميزة تنافسية.14

أظهرت البيانات أن اللاعبين مثل جويل ماتيب وأندي روبرتسون يمتلكون خصائص فريدة، على الرغم من أن الملاحظة التقليدية قد لا تُعطيهم حقهم. ماتيب كان يُنظر إليه على أنه "أخرق" أو "غير متناسق" بسبب مظهره، وقد عزز هذا الانطباع حادثة انزلاقه التي أدت إلى هدف.20 لكن البيانات الضمنية أظهرت براعته في الكرات الهوائية وقدرته على التقدم بالكرة من الدفاع، مما يخلق فرصاً هجومية.20 أما روبرتسون، فكان يلعب في فريق هبط للدرجة الأدنى، مما جعله بعيدًا عن أنظار الكشافين، لكن البيانات كشفت أن مخرجاته الهجومية كانت ممتازة من حيث الأرقام.20 كلتا الصفقتين تُبرهنان على قدرة البيانات على كشف القيمة المخفية وتجاوز التحيزات البصرية، حيث تم التعاقد مع ماتيب مجاناً وروبرتسون مقابل 8 ملايين جنيه إسترليني فقط، وهي صفقات تُعتبر "سرقة" مقارنة بأسعار لاعبين آخرين في نفس المراكز.20

نادي أرسنال: الاستثمار المبكر في البيانات

في عام 2012، اتخذ نادي أرسنال خطوة مماثلة عندما اشترى شركة StatDNA للتحليلات الرياضية، مما منحه حق الوصول الحصري إلى قاعدة بياناتها.26 أدى هذا الاستثمار إلى إنشاء قسم "الكشافة الفنية" الداخلي، الذي يجمع البيانات من StatDNA، وتقارير الكشافة البشرية، وتحليلات التوظيف في قاعدة بيانات واحدة. هذا الدمج بين المعلومات الموضوعية والذاتية سمح للنادي باتخاذ قرارات توظيف أكثر كفاءة وفعالية.26

الأندية الصغيرة: كيف تنافس بميزانية محدودة

تُعد البيانات الضخمة أداة تمكينية للأندية الصغيرة التي تسعى للمنافسة مع الأندية الكبرى.4 تستخدم هذه الأندية منصات بيانات تجارية مثل TransferLab وScoutpad للعثور على لاعبين في أماكن غير متوقعة، بأسعار معقولة، وفي نفس الوقت لديهم القدرة على رفع مستوى النادي.18 هذه المنصات توفر قاعدة بيانات واسعة وتستخدم خوارزميات تعلم آلي لترشيح اللاعبين، مما يُمكن الأندية من المنافسة بفعالية دون الحاجة لميزانيات ضخمة لقسم الكشافة التقليدي.4

القسم الرابع: التكامل بين البيانات والكشافة البشرية: معادلة النجاح الشامل

على الرغم من القوة الهائلة للبيانات في سوق الانتقالات، إلا أن هناك جوانب حاسمة في كرة القدم لا يمكن قياسها بالأرقام وحدها.4 هذه العوامل غير الملموسة تشمل: "روح الفريق" (team spirit)، "القيادة" (leadership)، "القدرة على التألق في اللحظات الحاسمة" 4، والسلوك الاحترافي للاعب.18 لا يمكن استخلاص هذه الصفات من أجهزة تتبع الحركة أو الإحصائيات.17

وهنا تبرز أهمية الكشافة البشرية، الذين لديهم القدرة على تقييم هذه الجوانب غير الملموسة من خلال الملاحظة المباشرة والمقابلات الشخصية.18 تقاريرهم السردية، على الرغم من كونها ذاتية، غالبًا ما تنقل الفروق الدقيقة التي لا تستطيع الأرقام نقلها.27

إن النموذج الأكثر نجاحًا ليس البيانات أو الكشافة وحدهما، بل هو التكامل بينهما. تعمل البيانات كأداة "تصفية" أولية لتضييق نطاق البحث عن اللاعبين المحتملين.25 ثم يأتي دور الكشافة البشرية لمشاهدة اللاعبين المُرشحين بالفيديو وفي الميدان، لتقييم الجوانب التي لا تستطيع البيانات قياسها.25 هذا التكامل يخلق إطار عمل قوي لتحديد المواهب ورعايتها، حيث يتم استخدام البيانات لفلترة القائمة الكبيرة من اللاعبين عالمياً، وتوجيه جهود الكشافة البشرية نحو الأكثر ملاءمة فقط.21 الفشل في تحقيق هذا التكامل قد يكون سبباً في فشل بعض الصفقات، كما يُقال في حالة كريستيان بينتيكي مع ليفربول، حيث لم يتوافق أسلوب لعبه مع أسلوب المدرب الجديد يورغن كلوب، على الرغم من أن الصفقة ربما كانت مدعومة بالأرقام في وقتها.18

فيما يلي جدول يوضح الاختلافات الرئيسية بين الكشافة التقليدية والفنية، مما يُبرز كيف أن كل نهج يُكمل الآخر:

مقارنة بين الكشافة التقليدية والفنية (القائمة على البيانات)

المعيارالكشافة التقليديةالكشافة الفنية (البيانات)
مصدر المعلومات

أحكام شخصية وملاحظات من الكشافة الميدانيين.27

بيانات موضوعية من شركات تجارية (مثل Opta وWyscout).27

طبيعة التقييم

ذاتية، وتعتمد على الخبرة والحكم الشخصي، وقد تختلف الآراء.27

موضوعية، وتعتمد على الأرقام والإحصاءات، ولا يوجد مجال للخلاف.27

شكل التقارير

تقارير مكتوبة، سردية، وغالباً ما تكون غير موحدة.27

قوائم بالأرقام، جداول، ورسوم بيانية مرئية.27

نطاق التغطية

محدود، ويتطلب السفر إلى مباريات معينة.18

واسع، ويغطي عشرات الآلاف من اللاعبين عالمياً.18

كما يوضح الجدول التالي كيفية تحويل البيانات الأولية إلى رؤى ضمنية ذات قيمة:

أنواع البيانات الضمنية وأثرها في تقييم اللاعبين

نوع البيانات الضمنيةالمقاييسالأثر على تقييم اللاعب
بيانات الحركة والموقع

المسافة المقطوعة، السرعة، التسارع، الحمل البدني.5

تقييم اللياقة البدنية والقدرة على التحمل ومخاطر الإصابة، وتصميم خطط لياقة مخصصة.3

بيانات الأحداث المتقدمة

الأهداف المتوقعة (xG)، التمريرات الحاسمة المتوقعة (xA)، تمريرات التقدم، الضغط المضاد.14

قياس جودة الأداء الهجومي بعيداً عن عامل الحظ 14، وتقييم الذكاء التكتيكي ومساهمة اللاعب في بناء اللعب.11

البيانات الموضعية (Positional Data)

التمركز في الهجوم والدفاع، أنماط الحركة بدون كرة، استغلال المساحات.10

فهم الذكاء التكتيكي للاعب، ودوره في هيكل الفريق، ومدى ملاءمته لأسلوب لعب معين.11

محاكاة الذكاء الاصطناعي

نماذج الأداء المحاكاة، التنبؤ بمدى ملاءمة اللاعب التكتيكية.22

اختبار مدى ملاءمة اللاعب لأسلوب لعب الفريق بشكل افتراضي قبل اتخاذ قرار التوظيف، مما يقلل المخاطر.22

القسم الخامس: آفاق المستقبل: الواقع الافتراضي والمحاكاة التنبؤية

يتجه مستقبل تحليل البيانات في كرة القدم نحو التحليلات الإرشادية (Prescriptive Analytics) التي لا تقتصر على التنبؤ بما سيحدث، بل تُقدم توصيات لأفضل مسار عمل ممكن.2 تُعد المحاكاة التنبؤية (Predictive Simulation) أحد أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا السياق.4 يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنشئ نماذج افتراضية لأداء اللاعبين الجدد في سيناريوهات مختلفة، مثل كيفية تصرف لاعب مُحتمل في مواجهة دفاع قوي أو في فريق يتبع أسلوب لعب مختلف.22 هذا يُمكن الأندية من اختبار مدى ملاءمة اللاعب تكتيكيًا قبل إنفاق مبالغ ضخمة على انتقاله، مما يقلل بشكل كبير من مخاطر الفشل.22

مع تزايد الاعتماد على البيانات، تظهر تحديات جديدة. يجب أن تُعالج الأندية قضايا مثل جودة البيانات المتاحة، وخصوصية بيانات اللاعبين وأمنها.3 بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون الأندية حذرة من أن تصبح البيانات "غرفة صدى" تُعزز فقط ما تريد رؤيته، بدلاً من تقديم رؤى موضوعية.18

المرحلةالوصفالموارد/الأدوات المستخدمةالرؤى المكتسبة
1. التصفية الأولية

استخدام البيانات الضخمة لتحديد قائمة مختصرة من اللاعبين المحتملين الذين يطابقون المعايير المطلوبة للفريق.25

قواعد بيانات ضخمة (أكثر من 90 ألف لاعب)، خوارزميات تعلم آلي، منصات مثل TransferLab.18

تحديد المواهب غير المقدّرة واللاعبين ذوي الخصائص المتطرفة، وإلغاء التحيز الأولي.20

2. التحليل المتعمق

دراسة متعمقة للاعبين في القائمة المختصرة باستخدام تحليل الفيديو والبيانات الموضعية.25

برامج تحليل الفيديو المتقدمة (Wyscout، Catapult Pro Video) 12، نماذج

xG و xA.14

فهم أسلوب لعب اللاعب وتمركزاته ومساهمته في الأهداف بعيدًا عن الإحصائيات السطحية.11

3. التقييم البشري

مشاهدة اللاعب في المباريات الحية و/أو إجراء مقابلات شخصية معه.25

الكشافة الميدانيون والمدربون.18

تقييم الجوانب غير الملموسة مثل الشخصية، والروح القيادية، والسلوك الاحترافي، والقدرة على التأقلم.4

4. اتخاذ القرار

دمج البيانات الموضوعية مع التقييمات الشخصية لتقديم توصية نهائية لإدارة النادي.21

التقارير الموحدة التي تجمع بين البيانات والأحكام الشخصية.27

قرار توظيف مستنير يوازن بين الإمكانات الفنية والشخصية والملاءمة التكتيكية.21

خاتمة: البيانات كأداة لا غنى عنها ولكن ليست بديلاً

لقد أصبحت البيانات الضخمة أداة لا غنى عنها في كرة القدم الحديثة، خاصة في سوق الانتقالات. هي تُمكن الأندية من اتخاذ قرارات قائمة على الأدلة، وتحديد المواهب غير المقدّرة، وتقليل مخاطر الصفقات الفاشلة.3 لقد أحدثت البيانات تحولًا في عملية التوظيف، حيث أصبحت أكثر عقلانية وأقل اعتمادًا على العاطفة.18

بينما ستستمر التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، في صقل عملية التوظيف، فإنها لن تلغي الحاجة إلى العنصر البشري. فالنجاح في المستقبل سيكون من نصيب الأندية التي تتقن فن الموازنة بين الدقة الموضوعية للبيانات والرؤية النوعية والخبرة العميقة للكشافين والمدربين.21 فالبيانات تُقدم الأساس، لكن البشر هم من يضيفون السياق، والشغف، والروح التي تجعل كرة القدم أكثر من مجرد أرقام. البيانات هي أداة، ولكن البشر هم من يصنعون القرار.

تعليقات