القائمة الرئيسية

الصفحات

التأطير المؤسساتي للشباب في المغرب: أزمة الوظيفة التنموية والسياسية

التأطير المؤسساتي للشباب في المغرب: أزمة الوظيفة التنموية والسياسية


حميد إدريس بنيوسف  

باحث في السياسات العمومية والتنمية المجتمعية  

تاريخ النشر: 14 أكتوبر 2025

الملخص

يهدف هذا المقال إلى تحليل أزمة التأطير المؤسساتي للشباب في المغرب، من خلال تشخيص اختلالات الوظيفة التنموية والسياسية التي يفترض أن تضطلع بها المؤسسات الرسمية والوسيطة. ويركز على التفاعل بين الرؤية الملكية المتقدمة في مجال تمكين الشباب، وبين قصور الفاعلين السياسيين في ترجمة هذه الرؤية إلى سياسات فعالة. كما يناقش المقال أزمة الثقة المؤسساتية، ضعف المشاركة السياسية، وتراجع دور الأحزاب في التأطير، مع اقتراح مداخل إصلاحية لإعادة بناء العلاقة بين الشباب والمؤسسات.

المقدمة

يشكل التأطير المؤسساتي للشباب أحد المرتكزات الأساسية لبناء مجتمع ديمقراطي متماسك، حيث لا يقتصر دوره على تنظيم الأنشطة أو التعبئة الموسمية، بل يتعدى ذلك إلى كونه عملية استراتيجية تهدف إلى بناء القدرات، وتعزيز المشاركة، وترسيخ قيم المواطنة الفاعلة. غير أن الواقع المغربي يكشف عن أزمة بنيوية في هذا المجال، تتجلى في ضعف التنشئة السياسية، تآكل الثقة في المؤسسات، والعزوف المتزايد عن المشاركة السياسية. ويأتي هذا المقال لتفكيك هذه الأزمة، وتحليل أسبابها، واستشراف سبل تجاوزها.

أولًا: التأطير المؤسساتي – المفهوم والأدوار

1.1 من التنشئة الاجتماعية إلى الإدماج السياسي

يُعرّف التأطير المؤسساتي بأنه مجموع الآليات والبرامج التي تضعها الدولة والمجتمع المدني لربط الشباب بالنظام الاجتماعي والسياسي، عبر مراحل التنشئة التي تبدأ من المدرسة وتستمر في الفضاءات العمومية. ويُنظر إليه كأداة مزدوجة: من جهة، يحافظ على القيم المجتمعية ويضمن استمراريتها؛ ومن جهة أخرى، يُمكّن الفرد من بناء هويته والانخراط في الحياة العامة.

1.2 الوظيفة التنموية والوظيفة السياسية

يتقاطع التأطير المؤسساتي مع وظيفتين أساسيتين:


- الوظيفة التنموية: تهدف إلى بناء الكفاءة والثقة لدى الشباب، عبر برامج التكوين، الأنشطة التربوية، ودعم الجمعيات.

- الوظيفة السياسية: تسعى إلى إدماج الشباب في الحياة السياسية، من خلال الأحزاب، الجماعات الترابية، والمجالس المنتخبة.

ويؤدي غياب التنسيق بين هاتين الوظيفتين إلى إنتاج شباب يمتلكون هوية فردية قوية، لكنهم منفصلون عن القيم المؤسساتية، مما يُضعف مشاركتهم ويُعطل التنمية.

ثانيًا: الرؤية الملكية – من الرعاية إلى التمكين

منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، شهد الخطاب الرسمي تحولًا نوعيًا في التعاطي مع قضايا الشباب، حيث انتقل من منطق الرعاية إلى فلسفة التمكين، معتبرًا الشباب ركيزة أساسية للنموذج التنموي الجديد.

2.1 مراحل تطور الرؤية الملكية

- 1999–2003: تأسيس رمزي لعقد اجتماعي جديد.  

- 2004–2010: تدخلات واقعية لتأهيل الشباب.  

- 2011–2017: إدماج الشباب في الإصلاحات الدستورية.  

- 2018–2024: تمكين اقتصادي واجتماعي ضمن النموذج التنموي الجديد.


2.2 تحديات التفعيل المؤسساتي

رغم التنصيص الدستوري على إحداث المجلس الاستشاري للشباب، ظل هذا الأخير غائبًا لأكثر من عقد، مما عمّق أزمة التمثيلية، وأضعف ثقة الشباب في المؤسسات. ويُعزى هذا التأخر إلى تردد سياسي وتعقيدات إجرائية، حالت دون تفعيل مؤسسة كان من شأنها أن تُحدث تحولًا في العلاقة بين الدولة والشباب.

ثالثًا: أزمة النخب الحزبية والثقة المؤسساتية


3.1 ضعف التأطير الحزبي


تشير الإحصائيات إلى أن نسبة انخراط الشباب في الأحزاب لا تتجاوز 1%، في ظل هيمنة النخب التقليدية، غياب الديمقراطية الداخلية، وتكلس الآليات التنظيمية. كما أن التواصل الحزبي مع الشباب يظل مناسباتيًا، مرتبطًا بالاستحقاقات الانتخابية فقط.

3.2 فشل السياسات العمومية

لم تنجح الاستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب (2015–2030) في تحقيق أهدافها، بسبب غياب الالتزام السياسي، وضعف التنسيق بين القطاعات، وعدم إشراك الشباب في صياغة السياسات. وهو ما أدى إلى استمرار العزوف، وتفاقم الشعور بالتهميش.

الخاتمة

إن تجاوز أزمة التأطير المؤسساتي للشباب في المغرب يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وإصلاحات هيكلية تعيد الاعتبار للمؤسسات الوسيطة، وتُفعّل الرؤية الملكية على أرض الواقع. فبدون مشاركة فعالة للشباب، وتمكينهم من أدوات التأثير، ستظل التنمية ناقصة، والديمقراطية هشّة، والثقة في المؤسسات مهددة


تعليقات